WVB's محتوى الأخبار

14-JUL-13
» تطهير المال

 عندما نتحدث عن تطهير المال يكون من الواضح أن هناك ركناً مفترضاً هو أن المال الحلال قد اختلط بمال حرام. لاشك أن المال الحرام يؤثر سلباً على المجتمع الإسلامي بل وعلى كل فرد مسلم. النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله سيدنا سعد بن أبى وقاص وقال له "يارسول الله ادع الله لى أن أكون مستجاب الدعوة" قال له " أطب طعمتك تستجب دعوتك " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. فى هذا الحديث دليل –وإن كان بمفهوم المخالفة- على أهمية احتراز المسلم عن الكسب الحرام. إن الله علم قدماً أن الناس قد لا يحترزون بالكلية عن الكسب الحرام، وأن أموالهم قد تختلط بالحرام لذلك فرض عليهم الزكاة فقال " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " التوبة: 103. ومن المعلوم أن التطهير لا يكون إلا من خبيث.

المال فى الإسلام منقسم إلى قسمين:
1- المال الحرام: الحرمة هنا تلحق عين المال مثل الكلب، والخنزير، والخمر
2- المال الحلال

إن النوع الأول لا يجوز التعامل عليه لأن الحرمة ملازمة لعين المال.
 النوع الثانى حلال فى ذاته ولمالكه حق الاستعمال، والاستغلال، والتصرف  فيه، ولكن على الرغم من هذا قد يتأثر هذا النوع بالطريقة التى اكتسب بها. فمثلاً قد يكون المال فى حد ذاته حلالاً كالذهب أو الفضة ولكن تم اكتسابه بطريق النصب أو الغصب فتلحق الحرمة ذمة حائز هذا المال.
يُثار سؤال مهم هنا: هل حيازة هذا المال تعد قرينة على تملكه ؟
الجواب لا، لأن حائز مثل هذا المال لابد له شرعاً أن يعيد هذا المال إلى صاحبه فهو بهذا ليس مالكاً له.

يُثار سؤال أخر: لو تعامل حائز هذا المال مع غيره في هذا المال هل تتعدى الحرمة من ذمته إلى ذمة هذا الغير ؟
قبل الإجابة أؤكدالمبدأ الإسلامي الذي يقرر أن كل إنسان مسؤول عن أفعال نفسه. فالله تعالى يقول "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم:39) ويقول أيضاً "وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه" (الإسراء:13) لذلك لن تنتقل الحرمة إلى ذمة الغير إذا لم يكن عالماً بحال هذا المال ولكن على فرض آخر وهو علمه بطرق اكتساب هذا المال الحرام التى سلكها حائز هذا المال فلا يكون مسموحاً له بالتعامل معه فى هذا المال وإن تعامل معه فتتعدى الحرمة إلى ذمته هو الأخر وذلك لعدة أسباب:
لأنه يعلم أنه لا يتعامل مع المالك الأصلي لهذا المال.
هذا التعامل يمنع رجوع المال إلى مالكه الأصلي.
يعد هذا التعامل اعترافاً بالمعاملات الحرام واستحساناً لها.  

شىء أخر ينبغي توضيحه: ما هو حكم معاملة من اختلط ماله بحرام ولا يستطيع أن يفرق بين الحلال فيه والحرام؟
لو أن الغالبية من ماله حرام سيكون هناك مانع من التعامل في مثل هذا المال معه لأن قاعدة الشرع هي اعتبار الغالب كالكل. لكن إذا كان الغالب هو الحلال فقد اختلف بشأنه العلماء واخترت من هذه الآراء رأى الحنفية، والحنابلة فى أحد قولين، وابن تيميه وهو أنه يجوز المعاملة فى مثل هذا المال. ولهذا الرأي أدلة من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " اشترى النبى صلي الله عليه وسلم من يهودي شعيراً إلى أجل ورهنه درعه " رواه البخارى. فى الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود وهو يعلم أن لهم معاملات فاسدة مثل الربا.
المسلمون يحل لهم التعامل مع غير المسلمين ومن المعلوم أن غير المسلمين يكتسبون أموالهم بغير مراعاة لأحكام الشريعة الإسلامية فمن باب أولى معاملة المسلم فى مثل هذا المال.

أما وقد بينا بعض أحكام اختلاط المال بالحرام فإنه من الواجب الآن بيان كيفية تطهير هذا المال مما شابه من حرام.
نستكمل فى هذا المقال استرسالاً لحديثنا عن الربا والفوائد الربوية بحديث عن تطهير المال وهو مبحث كبير تكثر فيه الأقاويل ولن يتسع المقام هنا وإن طال سوى لذكر نبذة مختصرة فيها إفادة بلا تعقيد وتبسيط بلا إخلال، وسوف نناقش مفهوم التطهير، ونتبعها بالنص على واجبات حائز المال الحرام، وأخيراً مصارف المال الحرام.
 
مفهوم تطهير المال الحرام
. هو التخلص من كل ما اكتسب بطريق حرام والكف عن الاكتساب بطرقٍ حرامٍ

واجبات حائز المال الحرام:
هؤلاء الذين قد اكتسبوا أموالاً حراماً لابد وأن يتوبوا ويتجنبوا ذلك مرة أخرى.ولابد لهم أن يمتنعوا عن استخدامه بأى شكلٍ كان.وأخيراً فيجب عليهم أن يعيدوا هذا المال مرة أخرى إلى أصحابه لو عرفوهم، وإلا يصرف في مصارف المال الحرام.
 يقول الإمام أبو حامد الغزالي " أن من تاب وفى يده مختلط -أى مال حلال اختلط بحرام- فعليه وظيفة فى تمييز الحرام وإخراجه".

 

الإشكالات التى تواجه حائز المال الحرام المختلط أثناء التطهير:
هذه الإشكالات تنبع من تعدد مصادر الكسب الحرام واختلاف طرقه وهي:
  1- الإقراض أو الإقتراض بالربا
2-المساهمة فى نشاط استثماري لا يخلو من محظور مثل السياحة والإنتاج الإعلامي
3-الإخلال بعناصر جوهرية فى العقود والاستثمارات مثل المقامرات والمضاربات غير المشروعة وبيع الديون ونحو ذلك
  4-عدم الالتزام بقواعد المنافسة المشروعة مثل الاحتكار والغش

كيفية تمييز المال الحرام المختلط بمالٍ حلالٍ:
 فى البداية لابد من الوقوف على موارد الكسب الحرام، ثانياً معرفة حجم الكسب الحرام ومقداره، وما إذا كان فى حدود ما قدره علماء الفقه المعاصرون. فإن جاوز هذا الحد فلا حاجة للحديث عن التمييز والفصل بل يجب اجتناب المعاملة. هذا الحد الذى قرره العلماء المعاصرون واعتمد عليه تقرير الشركة هو أن لا تزيد النسبة عن 5% من إجمالي الدخل، وهناك رأي أخر يرى أن النسبة تقدر بـ 10% من إجمالي الدخل. ثالثاً، فى التمييز والفصل فيما تقدم ينبغى مراعاة ما يلي: :
أ- إن كانت الحرمة فى الإقراض أو الإقتراض الربوي فإن كافة الفوائد المحرمة يجب إخراجها، ويمكن الوقوف على قدرها بمقارنة قدر القرض الربوي مع  باقي رأس المال ليعرف مقداره فيخرجه ويسلم رأس المال لصاحبه قال تعالى "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" (البقرة: 279).
ب-إن كانت الحرمة فى النشاط المحرم لعينه كالتعامل فى الخمور ولحم الخنازير فالحرمة تشمل رأس المال كله، ويجب الوقوف على مقدار الأصول المدرة للربح للتخلص منها مع ربحها.
ج-إن كانت الحرمة إخلالاً بعناصر جوهرية فى العقد، والعمليات المالية، وأشهرها المقامرات وبيع الديون مثل بيع الخيارات فحكم العقد البطلان، ومن ثم فيجب التخلص من كل ما ينتج عن هذه العقود والعمليات من أرباح.
د-إذا كانت الحرمة إخلالاً بقواعد المنافسة، ولا تتعلق بفوات عنصر جوهري فى العقد مثل الاحتكار والغش فالعقد صحيح على رأي الجمهور لهذا يصح تملك رأس المال والربح الناتج عنه.

 

ثم الآن ننتقل إلى مصارف الكسب الحرام:
ردّ المال المكتسب من طريق حرام إلى أهله أو إلى ورثته وذلك إذا كان المالك معروفاً.لأن الملكية لا تنتقل إلا بسبب مشروع كالبيع أو الهبة.
الصرف فى المصالح العامة وله شرطان:
الصرف على الفقراء والمساكين ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو رأي الشافعية، والمالكية، والحنابلة. وافق الغزالى هذا الرأى بما روى من الأثر عن ابن مسعود أنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن ، فطلبه كثيراً فلم يجده فتصدق بالثمن، وقال " اللهم هذا عنه إن رضى وإلا فالأجر لي ". ومن القياس أن هذا المال متردد بين أن يضيع أو أن يصرف إلى خير والصرف إلى خير أولى من إلقائه فى أليم.

المصرفان الأخيران يشترط فيهما نية صرف المال والتصدق به نيابة عن أهله، وأن يتولى هذا جهة رسمية تؤدي تلك المهام
إنفاق مكتسب المال منه على نفسه أو على من يعول، وهذا جائز عند جمهور الفقهاء بشروط
أن يكون فقيراً بلا مال مباح أو عمل مباح يتكسب منه قوته
أن يترك الكسب الحرام ويتوب عنه
ألا يعرف المالك الشرعي للمال الحرام

التخلص من المال الحرام بإعدامه أو حرقه أو ترك الفوائد الربوية للمصرف لتقوم بتوزيعها على مؤسسات خيرية وهو مختلف فيه إلا أن الراجح جوازه منعاً من إضاعة المال.