WVB's محتوى الأخبار

19-JUN-13
» لماذا الاقتصاد الإسلامي؟

لماذا الاقتصاد الإسلامي؟

يعاني الاقتصاد العالمي حاليًا من أزمة طاحنة زلزلت أركان العالم وقلبت كل الموازين رأسًا على عقب. في خضم بحث العالم عن حلول لهذه الأزمة، ظهر الاقتصاد الإسلامي ليقدم نفسه كنظرية اقتصادية متكاملة، وظهر جليًا في المحاولات الأولى لنقلها على أرض الواقع أنها ستحقق نجاحًا منقطع النظير في القضاء على أزمات الاقتصاد العالمي. يقوم مقالي هذا على لفت انتباه شخص غير مسلم يسألني عما يمكن أن يجذبه للاقتصاد الإسلامي، كان ردي متسمًا بالموضوعية بعيدًا عن التحيز لديني ومعتقدي ما استطعت.

 

سأل صديقي ما هي المشكلات الاقتصادية التي يستطيع الاقتصاد الإسلامي التعامل معها؟  أخبرته إن الاقتصاد اليوم يعاني من المضاربات وهي إيدز الاقتصاد العالمي على حد قول جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق. ويعاني عالمنا من تضخم وهمي في الاقتصاد لا يتلائم مع حجمه الحقيقي كأنه بالونة منفوخة بالهواء ما أن يزداد الضغط عليها حتى تنفجر راجعة لحجمها الحقيقي. دفعني هذا لشرح أبعاد الأزمة التي يعاني منها العالم منذ عام 2008م وتداعياتها على الاتحاد الأوروبي والعالم بأسره، ومن ثم نتبع هذا بحديث عن الاقتصاد الإسلامي.

 

منبع الأزمة

إن الاقتصاد الرأسمالي به العديد من المتناقضات التي تؤدي إلى دخوله في أزمات دورية قدر العلماء عددها في مائتي عام بثلاث وثلاثين أزمة اقتصادية، صارت هذه الأزمات جزءًا لا يتجزأ من النظام الرأسمالي، إلا أن الأزمة الأخيرة التي زلزلت العالم كانت لها عوامل أخرى ضاعفت تأثيرها حتى كادت تقضي على الهيمنة الأمريكية على اقتصاد العالم. من العوامل التي ضاعفت من حجم الأزمة مخالفة البنوك والمؤسسات المالية للنظم المصرفية الموضوعة منذ أكثر من 400 عام بحجة حرية العمل المصرفي من قبل الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأوروبية التي تقاعست في أداء واجباتها الرقابية حتى صار 75% من العمل المصرفي خارج الميزانية دون أي رقابة. غضت البنوك المركزية الطرف عن البنوك الاستثمارية التي أقرضت العديد من المؤسسات والأفراد دون إتباع الاجراءات المعتادة ودون استعلام لا سيما في مجال الرهن العقاري ودون ضمانات كافية مما أدى لتعثر المقترضين عن السداد، تزامن هذا مع انخفاض أسعار العقارات ليغرق المواطنين في الديون وتنخفض أسعار العقارات مع زيادة المعروض منها حتى صارت المؤسسات النقدية على شفا هاوية الإفلاس. تزامن هذا أيضًا مع اشتداد المضاربات في بورصة وول ستريت مما أدى إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد محدثًا المزيد من الخسائر. ساهمت أيضًا المشتقات المالية كعقود الخيارات والمستقبليات وغيرها من المتاجرات في المخاطر دون ارتباط بالاقتصاد العيني والمتمثل في الإنتاج الحقيقي على أرض الواقع. وصلت بهم الحماقة إلى استخدام هذه المشتقات للمتاجرة بهذه الديون العقارية الرديئة وتوريقها أي بيع الدين بالدين بفوائد ربوية وغرر فاحش. كما لا ننسى أن ننوه بشأن فساد إدارات هذه المؤسسات فعلى سبيل المثال كان رئيس بنك ليمان براذرز أولى المؤسسات المالية انهيارًا يتقاضى 486 مليون دولار عن عام 2007م. وفي عام 2008م بدأت سلسلة الأزمات وظهرت أعراض الأزمة على الساحة بقوة متمثلة في انهيار بنك ليمان براذرز وإشهار إفلاسه، وتأميم شركة أيه أي جي للتأمين وكانت قد أمنت على سندات ديون الرهن العقاري، وخضعت شركتا فريدي ماك وفاني ماي للوصاية من وزارة الخزانة الأمريكية وهما أكبر شركتين للرهن العقاري وتتعاملان بمبلغ يربو على 6 تريليونات دولار وكانت ديونهما في هذا التوقيت تساوي 5.4 تريليون دولار. في النهاية قاد هذا الانهيار إلى شلل في حركة الأموال في المجتمع وأثر بدوره على الاقتصاد العيني. ظهر هذا في صناعة مفصلية كصناعة السيارات، فقد العديد وظائفهم وارتفعت نسب البطالة في كل الاقتصاديات العالمية المرتبطة بقاطرة الاقتصاد العالمي وهي الاقتصاد الأمريكي. ولا زالت آثار الأزمة ماثلة إلى اليوم في انهيار اليونان اقتصاديًا، وتأثر الاتحاد الأوروبي، وأزمات القطاع المصرفي في أسبانيا نتيجة إقراضه الهائل للاستثمارات العقارية، مما جعل وكالة موديز للتصنيف الإئتماني بالتفكير في تخفيض التصنيف الإئتماني للإتحاد الأوروبي.

 

محاولات علاج الأزمة

اتجهت محاولات علاج الأزمة لمعالجة أعراضها وتخفيف آثارها الحادة والسلبية على المجتمع دون اجتثاث جذورها. إذ سارعت الدول لضخ السيولة وانقاذ ما يمكن انقاذه من مؤسسات مالية، وبلغ المال الذي ضخته خطتي الإنقاذ المالي الأولى والثانية بالولايات المتحدة الأمريكية 4 تريليون دولار، وغيرها من التدابير التي اتخذتها الدول لضخ السيولة بالأسواق.

 

دور التمويل الإسلامي في معالجة الأزمة

أولًا، نود أن ننوه أن الاقتصاد الإسلامي يحمي الاقتصاد العيني بشكل رئيسي حيث يحث على قيم العمل، والتجارة، والأمانة، وغيرها، كما يعتني بالتمويل الإسلامي وهو الذي يعنينا في مقام معالجة جذورهذه الأزمة إذ أن الاسلام لم يأت بمنظومة مفصلة للحل، وإنما نص على قواعد عامة كفيلة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق النمو للمجتمع، فالإسلام ترك للبشر حرية اختيار الحلول لكنه أمدهم بقواعد عامة ليبدعوا في أطرها، والقاعدة الأولى ها هنا أنه لا يرفض تدخل الدول للمساعدة في حل الأزمات الاقتصادية بل يراه واجبًا عليها ولا نجد فيه ما يمنع من اتخاذ أي من الاجراءات التي اتخذتها الدول للحد من آثار الأزمة. ولكنه وقبل كل هذا يمنع الربا والفوائد الربوية ويوفر بديلًا عمليًا للقروض بفائدة يتمثل في المشاركة الربحية بعقود الاستزراع، والإجارة، والاستصناع، وغيرها. يحارب الإسلام كل صور أكل أموال الناس بالباطل من الغرر، والجهالة الفاحشة، والغش، والتدليس، والمقامرات في صور المشتقات المالية كعقود المستقبليات والخيارات. لسوء الحظ فإن الربا من أساسيات التمويل المعاصر وهو شر محض لا خير فيه. إذ يجعل المال مستحقًا للربح في ذاته ليضرب العملية الانتاجية في الاقتصاد الحقيقي في مقتل ويكبل المستهلكين بالفوائد المرهقة معيقًا للنمو الاقتصادي ومسببًا للركود السلعي، وهو سبب رئيسي في أزمات النظام الرأسمالي الدورية. إن المؤسسات التي أثبتت قوة مالية لا تتزعزع في مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية كالبنك الإسلامي للتنمية وغيره من المؤسسات التي لا تتعامل بالفائدة خير برهان على نجاح التمويل الإسلامي. لا يسعني سوى أن أقر بأن التجربة الاقتصادية الإسلامية في طور الولادة، والأخطاء في التطبيق واردة لضعف الخبرة المصرفية الإسلامية في مقابلة المصرفية التقليدية فمقابل 400 عامًا من الخبرة ليس للمصرفيين الإسلاميين سوى سنوات قلائل، حيث يعود تاريخ أول مؤسسة نقدية إسلامية إلى عام 1975م. إنها تجربة واعدة تستحق التدبر والاستفادة منها. يوجد بفقه التمويل الإسلامي ما يسمى بالعقود غير المسماة وهي العقود التي لم يوجد لها أصل في الشريعة الإسلامية لكنها تتماشى مع أحكامها، وهي من آثار عظمة الفقه الإسلامي إذ أنها تتيح للمجتمع الإسلامي الانفتاح على غيره والانتفاع بكل علم أو خبرة حياتية نافعة. وهذا يعني أن البنوك الإسلامية تتعامل بكل الوسائل المصرفية في حدود الأطر التي رسمتها الشريعة الإسلامية مما يحقق كفاءة التمويل ويحمي الاقتصاد من كل الأزمات التي تسببها الفوائد الربوية.

في الختام، أقول لصديقي ما زال في الحديث كثير ولا يتسع المقام للخوض في تفاصيل. إنني أرى أنه ليس لهذه الأزمة من حل عاجل سوى التخلي عن التعامل بالفائدة تدريجيًا، وانتهاج نهج المحافظة على قواعد الفن المصرفي وأصوله مع الأخذ بحلول التمويل الإسلامي البديلة لوسائل التمويل التقليدية مع استمرار ضخ السيولة لانتشال الاقتصاديات المتعثرة من الأزمة.